فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وردَّ أبو حيَّان هذا الوجه بأنَّكَ إذا عطفت فعلًا منفيًا بلا على مثبت وكانا منصوبين فَإنَّ النَّاصبَ لا يُقَدَّر إلاَّ بعد حرف العطف لا بعد لا، فإذا قلت: أريد أن أتوب ولا أدخل النار، قال التقدير: أريد أن أتوبَ وأنْ لا أدخل النار؛ لأن الفعل يطلب الأول على سبيل الثبوتِ، والثاني على سبيل النفي والمعنى: أريدُ التوبةَ انتفاء دخولي النار، فلو كان المتسلط على المتعاطفين نفيًا فكذلك، ولو قدَّرْتَ هذا التقدير في الآية لم يصح لو قلت: لا يحل أن لا تعضلوهن، لم يصح إلاَّ أن تجعل لا زائدة لا نافيةً، وهو خلاف الظاهر، وأما أن تقدِّر أنْ بعد لا النافية فلا يَصِحُّ، وإذا قَدَّرتَ أن بعد لاَ كان من عطف المصدر المقدّر على المصدر المقدر، لا من باب عطف الفعل على الفعل، فالتبس على ابْنِ عَطِيَّة العطفان، وظَنَّ أنَّهُ بصلاحية تقدير أن بعد لا يكونُ مِنْ عَطْفِ الفعل على الفعل وفَرْقٌ بين قولِك لا أريد أن تقوم إلا تخرج وقولك: أرِيدُ أنْ تَقُوم ولا أنْ تَخْرُجَ، ففي الأول نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه، وإرادة انتفاء خروجه، فقد أرادَ خروجه، وفي الثَّانية نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه ووجودَ خروجه، فلا يريد لا القيام، ولا الخروج.
وهذا في فهمه بعضُ غموضٍ على مَنْ تَمَرَّنَ في علم العربيَّةِ؛ انتهى ما ردّ بِهِ.
قال شهابُ الدِّينِ: وفيه نظر من حيث إنَّ المثال الّذي ذكره في قوله: أريد أن أتوب ولا أدخل النار فَإنَّ تقديرَ النَّاصب فيه قبل لا واجب من حيثُ إنَّهُ لو قُدِّرَ بعدها لفسد التركيب، وأما في الآية فتقدير أن بعد لا صحيح، فَإنَّ التقدير يصير: لا يَحِلُّ لكم إرث النساء كَرْهًا ولا عَضْلُهن، ويَؤيِّدُ ما قلته، وَمَا ذَهَبَ إليه ابن عكيَّةَ قولُ الزمخرشيِّ فإنَّهُ قال: فإن قلت: تَعْضُلُوهُنَّ ما وجه إعرابه؟ قلت: النَّصبُ عطفًا على {أَن تَرِثُواْ} ولا لتأكيد النّفي أي: لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن: فَقَدِ صَرَّحَ الزمخشري بهذا المعنى وصَرَّحَ بزيادة لا التي جَعَلَها الشيخ خلاف الظاهر، وفي الكلام حذف تقديره: ولا تعضلوهن من النكاح إن كان الطاب للأولياء: أو: لا تعضلوهن من الطلاق، إن كان الخطاب للأزواج.
وهو قول أكثر المفسرين.
وقيل: هو خطابُ الوارث الزَّوج بحبس الزّوجة حتى تَرُدَّ الميراث.
قال ابنُ عَطِيَّة: هذا في الرَّجُلِ تكون له المرَْأةُ وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر فنهاه اللهُ عن ذلك.
وقيل: الخِطَابُ عامٌّ في الكلِّ.
قوله: {لِتَذْهَبُواْ} اللام متعلّقةُ بـ {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} والباء في ببعض فيها وجهان:
أحدهُمَا: أنَّها باء التعدية المرادفةُ لهمزتها أي: لتِذْهِبُوا بما آتيتموهن.
والثاني: أنها للمصاحبةِ، فيكون الجارُّ في محلِّ نصبٍ على الحال، ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: لتذهبوا مصحوبين ببعض، وما موصولة بمعنى الذؤي، أوْ نكرة موصوفة، وعلى التقديرين فالعائدُ محذوف، وفي تقديره إشْكَالٌ تَقَدَّمَ الكلام عليه في البقرة عند قوله: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3].
قوله: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ} في هذا الاستثناء قولان:
أحدُهُمَا: أنه منقطعٌ فيكونُ {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ} في محلِّ نصب.
والثَّاني: أنه متَّصِلٌ وفيه حينئذٍ ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّه مستثنى من ظرف زمان عام تقديره: ولا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلاّ في حال إتيانهن بفاحشة.
والثَّاني أنَّه مستثنى من الأحوال العامَّة، تقديره: ولا تعضلوهن في وقتٍ من الوقات إلاَّ في حال إتيانهن بفاحشة، والمعنى لا يحل له أن يحبسها ضرارًا حتى تفتدي منه إلاّ إذا زَنَتْ، والقائلون بهذا منهم من قال بقي هذا الحكم ولم ينسخ ومنهم من قال: نسخ بآية الجلد.
الثالث: أنه مستثنى من العلة العامة تقديره: لا تعضلوهن لعلةٍ من العلل إلا لإتيانهن بفاحشة.
وقال أبو البثاء بعد أن حكى فيه وجه الانقطاه: والثاني: هو في موضع الحال تقديره: إلاَّ في حال إتيانهن بفاحشةٍ، وقيل: هو استثناء متصل، تقديره: ولا تَعْضُلوهن في حال إلا في حال إتيان الفاحشة انتهى.
وهذان الوجهان هما في الحقيقة وجهٌ واحد، لأنَّ القائلَ بكونه منصوبًا على الحال لابد أن يقدِّر شيئًا عامًا يجعل هذا الحال مستثناةً منه.
وقرأ ابنُ كثير وأبو بكر عن عاصم: مبيَّنة اسم لمفعول بفتح الياء في جميع القرآن، أي بَيَّنَها في قوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ الناس فَمَن تَبِعَنِي} [إبراهيم: 36] والباقون بكسر الياء من اسم الفاعل وفيه وجهان:
أحدهما: أنَّهُ من بيَّن المتعدي، فعلى هذا يكون المفعول مَحْذُوفًا تقديره مبينة حال مرتكبها.
والثاني: أنها من بَيَّن الازم، فإن بَيَّنَ يكون متعديا ولازمًا يقال: بانَ الشَّيْء وأبان واستبان، وبين تبين، بمعنى واحد أي: أظهر، وإذا ظهرت صارت أسبابًا للبيان، وإذا صَارَتْ سببًا للبيان جاز إسناد البيان إليها، كما انذَ الأصنام لما كانت شسببًا للضلال حسُنَ إسناد الإضلال إليها لأنَّ الفاحشة لا فعل لها في الحَقِيقَةِ. وأيضًا الفاحشة تتبين فإن يشهد عليها أربعة صارت مبينة.
وقرأ بعضهم مُبَينَة بكسر الياء وسكون الياءِ اسم فاعل من أبان وهذان الوجهان هما المتقدّمان في المشددة المكسورة، لأن أبان أيضًا يكون متعديًا ولازمًا وأما مبينات جمعًا فقرأهن الاخوان وابن عامر وحفص عن عاصم بكسر الياء اسم فاعل، والباقون بفتحها اسم مفعول، وتَقَدَّمَ وجه ذلك.
قوله: {فعسى} الفاء جواب الشرط، وإنَّمَا اقترنت بها عسى؛ لأنها جامدة.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فإن قلت من أي وجه صح أن يكون فعسى جزاء للشرط؟
قلت: من حيث المعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكرامة، فلعلَّ لكم فيما تكرهون خيرًا كثيرًا ليس فيما تحبون.
ولهذا قال قَتَادَةُ: فإنه فسر الخير الكثير بودٍّ يحصل فتنقلب الكراهة محبة، فلعلَّ لكم فيما تكرهون خيرًا كثيرًا ليس فيما تحبون.
وقيل: ولد صالح.
وقرئ وَيَجْعَلُ برفع اللام.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ على أنه حال يعني: ويكون خبر المبتدأ محذوف لئلا يلزم دخول الواو على مضارع مثبت، وعسى هنا تامة؛ لأنها رفعت انَّ وما بعدها، والتقدير: فقد قربت كراهيتكم فاستغنت عن تقدير خبر، والضمير في فيه يعود على شيء، أي: في ذلك الشيء المكروه.
وقيل: يعود على الكره المدلول عليه بالفعل، والمعنى {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ} ورغبتم في مفارقتهن، فربما جعل في تلك المفارقة لهن خيرًا كثيرًا، وذلك بأن تتزوج غيره خيرًا منه.
ونظيره قوله: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مِّن سَعَتِهِ} [النساء: 130] وهذا قول الأصَمِّ، قال القاضي، وهذا بعيد؛ لأنه تعالى حث بما ذكر على استمرار الصحبة فكيف يريد المفارقة.
وقيل: الضمير يعود على الصبر، وإن لم يجر له ذكر. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}.
التلبيسُ على المستضعفين، والتدليسُ على أهل السلامة والوداعة من المسلمين- غيرُ محموديْنَ عند الله. فمن تعاطَ ذلك انتقم الله منه، ولم يبارِك له فيما يختزل من أموال الناس بالباطل والاحتيال. ومن استصغر خصمه في الله فأهون ما يعاقبه الله به أنْ يَحْرِمَه الوصولَ إلى ما يأمل من محبوبه.
وقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}: أي بتعاليم الدين والتأدب بأخلاق المسلمين وحُسْنِ الصحبة على كراهة النفس، وأن تحتمل أذاهن ولا تحملهن كلف خدمتك، وتتعامى عن مواضع خجلتهن.
قوله: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا...} كل ما كان على نفسك أشقَّ كانت عاقبته أهْنَأَ وأَمْرَأَ.
واعلم أن الحقَّ سبحانه لم يُطْلِعْ أحدًا على غَيْبِه، فأكثر ما يعافه الإنسان قد تكون الخيرة فيه أتم. وقد حكم الله سبحانه بأن مخالفة النفس توصل صاحبها إلى أعلى المنازل، وبعكس ذلك موافقتها، كما أَن مخالفة القلوب توجب عمى البصيرة، وبعكس ذلك موافقتها. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَاء كَرْهًا}.
نهيٌ عما كان يفعله أهل الجاهلية بالنساء من الإيذاء والظلم.
روى البخاريّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلّ لَكُمْ} الآية.
ورواه أبو داود والنسائي وغيرهم، ولفظ أبي داود عن ابن عباس: أَنّ الرّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ فَيَعْضُلُهَا حَتّى تَمُوتَ، أَوْ تَرُدّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ اللّهُ عَنْ ذَلِكَ، أي: نَهَى عَنْه.
قال السيوطيّ: ففيه أن الحر لا يتصور ملكه ولا دخوله تحت اليد، ولا يجري مجرى الأموال بوجه.
و: {كَرْهًا} بفتح الكاف وضمها، قراءتان، أي: حال كونهن كارهات لذلك! أو مكرهات عليه، والتقييد (بالكره) لا يدل على الجواز عند عدمه، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، كما في قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: من الآية 31].
{وَلاَ تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ} الخطاب للأزواج، كما عليه أكثر المفسرين.
روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: أن الآية في الرجل تكون له المرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها لتفتدي به.
والعضل الحبس والتضييق، أي: ولا يحل لكم أن تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي: من الصداق، بأن يدفعن إليكم بعضه اضطرارًا فتأخذوه منهن.
{إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مّبَيّنَةٍ} أي: زنى، كما قاله جماعة من الصحابة والتابعين، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك، وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: {وَلا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئًا إِلّا أَنْ يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} [البقرة: من الآية 229]، الآية.
وروي عن ابن عباس أيضًا وغيره: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان، واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله: الزنى والعصيان والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك، يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه، ويفارقها.
قال ابن كثير: وهذا جيد، والله أعلم.
قال أبو السعود: {مبينة} على صيغة الفاعل من (بيّن) بمعنى تبين، وقرئ على صيغة المفعول، وعلى صيغة الفاعل من (أَبَان) بمعنى تبين أي: بينة القبح من النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة.
ويعضده قراءة أُبي: {إلا أن يفحشن عليكم} انتهى.
وفي [الإكليل] استدل قوم بقوله: {بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ}: على منع الخلع بأكثر مما أعطاها. انتهى.
ثم بين تعالى حق الصحبة مع الزوجات بقوله: {وَعَاشِرُوهُنّ} أي: صاحبوهن: {بِالمعْرُوفِ} أي: بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول حتى لا تكونوا سبب الزنى بتركهن، أو سبب النشوز أو سوء الخلق، فلا يحل لكم حينئذ.